فصل: فصل (في بيان من استدل بهذه الآية على جواز صدور الذنوب من الأنبياء):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وعلى هذا التأويل يحسن الوقف على قوله: {عَفَا الله عَنكَ}؛ حكاه مكيّ والمهدوِيّ والنحاس.
وأخبره بالعفو قبل الذنب لئلا يطير قلبه فَرَقًا.
وقيل: المعنى عفا الله عنك ما كان من ذنبك في أن أذِنت لهم؛ فلا يحسن الوقف على قوله: {عَفَا الله عَنْكَ} على هذا التقدير؛ حكاه المهدوِيّ واختاره النحاس.
ثم قيل: في الإذن قولان: الأوّل {لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} في الخروج معك، وفي خروجهم بلا عُدّة ونية صادقة فسادٌ.
الثاني {لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} في القعود لما اعتلّوا بأعذار؛ ذكرهما القشيري قال: وهذا عتاب تلطف؛ إذ قال: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ} وكان عليه السلام أذن من غير وحَيْ نزل فيه.
قال قتادة وعمرو بن ميمون: ثنتان فعلهما النبيّ صلى الله عليه وسلم ولم يؤمر بهما: إذنُه لطائفة من المنافقين في التخلف عنه ولم يكن له أن يمضي شيئًا إلا بوحي، وأخذهُ من الأسارى الفِدية؛ فعاتبه الله كما تسمعون.
قال بعض العلماء إنما بدر منه ترك الأولى، فقدّم الله له العفو على الخطاب الذي هو في صورة العتاب.
قوله تعالى: {حتى يَتَبَيَّنَ لَكَ الذين صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الكاذبين} أي ليتبيّن لك من صدق ممن نافق.
قال ابن عباس: وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يومئذ يعرف المنافقين، وإنما عرفهم بعد نزول سورة التوبة.
وقال مجاهد: هؤلاء قوم قالوا: نستأذن في الجلوس، فإن أذن لنا جلسنا.
وإن لم يؤذن لنا جلسنا.
وقال قتادة: نسخ هذه الآية بقوله في سورة النور {فَإِذَا استأذنوك لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ} [النور: 62].
ذكره النحاس في معاني القرآن له. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {عفا الله عنك لم أذنت لهم}
قال الطبري: هذا عتاب من الله عاتب الله به نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم أي في إذنه لمن أذن له في التخلف عنه من المنافقين حين شخص إلى تبوك لغزو الروم.
والمعنى: عفا الله عنك يا محمد ما كان منك في إذنك لهؤلاء المنافقين الذين استأذنوك في ترك الخروج معك إلى تبوك.
قال عمرو بن ميمون الأودي: اثنان فعلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يؤمر بشيء فيهما إذنه للمنافقين وأخذه الفداء من أسارى بدر فعاتبه الله كما تسمعون وقال سفيان بن عيينة: انظروا إلى هذا اللطف بدأه بالعفو قبل أن يعيره بالذنب.

.فصل [في بيان من استدل بهذه الآية على جواز صدور الذنوب من الأنبياء]:

استدل بهذه الآية من يرى جواز صدور الذنوب من الأنبياء وبيانه من وجهين: أحدهما، أنه سبحانه وتعالى.
قال: عفا الله عنك والعفو يستدعي سابقة الذنب الوجه الثاني أنه سبحانه وتعالى قال لم أذنت لهم وهذا استفهام معناه الإنكار.
والجواب عن الأول: إنا لا نسلم أن قوله تعالى: {عفا الله عنك} يوجب صدور الذنب بل نقول إن ذلك يدل على المبالغة في التعظيم والتوقير فهو كما يقول الرجل لغيره إذا كان معظمًا له عفا الله عنك ما صنعت في أمري ما جوابك عن كلامي وعافاك الله وغفر لك كل هذه الألفاظ في ابتداء الكلام وافتتاحه تدل على تعظيم المخاطب به قال علي بن الجهم يخاطب المتوكل.
عفا الله عنك إلا حرمة ** تعود بفضلك أن أبعدا

ألم تر عبدًا عدا طوره ** ومولى عفا ورشيدًا هدى

أقلني أقالك من لم يزل ** يقيل ويصرف عنك الردى

والجواب عن الثاني: أنه لا يجوز أن يكون المراد بقوله لم أذنت لهم الإنكار عليه وبيانه: إما أن يكون قد صدر عنه ذنب في هذه الواقعة أولًا فإن كان قد صدر عنه ذنب فذكر الذنب بعد العفو لا يليق.
فقوله: {عفا الله عنك}، يدل على حصول العفو وبعد حصول العفو، يستحيل أن يتوجه الإنكار عليه وإن لم يكن قد صدر عنه ذنب امتنع الإنكار عليه فثبت بهذا أن الإنكار يمتنع في حقه صلى الله عليه وسلم.
وقال القاضي عياض في كتابه الشفاء في الجواب عن قوله عفا الله عنك لم أذنت لهم: أنه أمر لم يتقدم للنبي صلى الله عليه وسلم فيه من الله تعالى نهي فيعد معصية ولا عده تعالى عليه معصية بل لم يعده أهل العلم معاتبة وغلطوا من ذهب إلى ذلك قال نفطويه: وقد حاشاه لله من ذلك بل كان مخيرًا في أمرين قالوا: وقد كان له أن يفعل ما يشاء فيما لم ينزل عليه فيه وحي فكيف وقد قال الله سبحانه وتعالى له: {فأذن لمن شئت منهم} فلما أذن لهم أعلمه الله بما لم يطلع عليه من سرهم أنه لو لم يأذن لهم لقعدوا وأنه لا حرج عليه فيما فعل وليس عفا هنا بمعنى غفر بل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عفا الله لكم عن صدقة الخيل والرقيق ولم تجب عليهم قط أي يلزمكم ذلك ونحوه للقشيري قال: وإنما يقول العفو لا يكون إلا عن ذنب من لم يعرف كلام العرب قال ومعنى عفا الله عنك أي لم يلزمك ذنب.
قال الداودي: إنها تكرمة.
وقال مكي: هو استفتاح كلام مثل أصلحك الله وأعزك وحكى السمرقندي أن معناه عفاك الله.
وقيل معناه: أدام الله لك العفو لم أذنت لهم يعني في التخلف عنك وهذا يحمل على ترك الأولى والأكمل لاسيما وهذه كانت من جنس ما يتعلق بالحروب ومصالح الدنيا {حتى يتبين لك الذين صدقوا} يعني في اعتذارهم {وتعلم الكاذبين} يعني فيما يعتذرون به.
قال ابن عباس: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف المنافقين يومئذ حتى نزلت براءة. اهـ.

.قال أبو حيان:

{عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين}
قال ابن عطية: هذه الآية في صنف مبالغ في النفاق.
واستأذنوا دون اعتذار منهم: عبد الله بن أبيّ، والجد بن قيس، ورفاعة بن التابوت، ومن اتبعهم.
فقال بعضهم: ائذن لي ولا تفتني.
وقال بعضهم: ائذن لنا في الإقامة، فأذن لهم استبقاءً منه عليهم، وأخذا بالأسهل من الأمور، وتوكلا على الله.
قال مجاهد: قال بعضهم: نستأذنه، فإن أذن في القعود قعدنا، وإن لم يأذن فعدنا، فنزلت الآية في ذلك انتهى.
وقال أبو عبد الله إبراهيم بن عرفة النجوي الداودي المنبوذ بنفطويه: ذهب ناس إلى أنّ النبي صلى الله عليه وسلم معاتب بهذه الآية، وحاشاه من ذلك، بل كان له أن يفعل وأن لا يفعل حتى ينزل عليه الوحي كما قال: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلتها عمرة» لأنه كان له أن يفعل وأن لا يفعل.
وقد قال الله تعالى: {تُرجي من تشاء منهن وتؤوي إِليك من تشاء} لأنه كان له أن يفعل ما يشاء مما لم ينزل عليه فيه وحي.
واستأذنه المخلفون في التخلف واعتذروا، اختار أيسر الأمرين تكرمًا وتفضلًا منه صلى الله عليه وسلم، فأبان الله تعالى أنه لو لم يأذن لهم لأقاموا للنفاق الذي في قلوبهم، وأنهم كاذبون في إظهار الطاعة والمشاورة، فعفا الله عنك عنده افتتاح كلام أعلمه الله به، أنه لا حرج عليه فيما فعله من الإذن، وليس هو عفوًا عن ذنب، إنما هو أنه تعالى أعلمه أنه لا يلزمه ترك الإذن لهم كما قال صلى الله عليه وسلم: «عفا الله لكم عن صدقة الخيل والرقيق» وما وجبتا قط ومعناه: ترك أن يلزمكم ذلك انتهى.
ووافقه عليه قوم فقالوا: ذكر العفو هنا لم يكن عن تقدم ذنب، وإنما هو استفتاح كلام جرت عادة العربان تخاطب بمثله لمن تعظمه وترفع من قدره، يقصدون بذلك الدعاء له فيقولون: أصلح الله الأمير كان كذا وكذا، فعلى هذا صيغته صيغة الخبر، ومعناه الدعاء انتهى.
ولم ولهم متعلقان بأذنت، لكنه اختلف مدلول اللامين، إذ لام لم للتعليل، ولام لهم للتبليغ، فجاز ذلك لاختلاف معنييهما.
ومتعلق الإذن غير مذكور، فما قدمناه يدل على أنه القعود أي: لم أذنت لهم في القعود والتخلف عن الغزو حتى تعرف ذوي العذر في التخلف ممن لا عذر له.
وقيل: متعلق الإذن هو الخروج معه للغزو، لما ترتب على خروجهم من المفاسد، لأنهم كانوا عينًا للكفار على المسلمين.
ويدل عليه قوله: {وفيكم سماعون لهم} وكانوا يخذلون المؤمنين ويتمنون أن تكون الدائرة عليهم فقيل: لم أذنت لهم في إخراجهم وهم على هذه الحالة السيئة؟ وبيّن أنّ خروجهم معه ليس مصلحة بقوله: {لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالًا} وحتى غاية لما تضمنه الاستفهام أي: ما كان أن تأذن لهم حتى يتبين من له العذر، هكذا قدره الحوفي.
وقال أبو البقاء: حتى يتبين متعلق بمحذوف دل عليه الكلام تقديره: هلاّ أخرتهم إلى أن يتبين أو ليتبين.
وقوله: {لم أذنت لهم} يدل على المحذوف.
ولا يجوز أن تتعلق حتى بأذنت، لأن ذلك يوجب أن يكون أذن لهم إلى هذه الغاية، أو لأجل التبيين، وهذا لا يعاتب عليه انتهى.
وكلام الزمخشري في تفسير قوله: {عفا الله عنك لم أذنت لهم}، مما يجب اطراحه، فضلًا عن أن يذكر فيردّ عليه.
وقوله: {الذين صدقوا} أي: في استئذانك.
وأنك لو لم تأذن لهم خرجوا معك.
{وتعلم الكاذبين}: تريد في أنهم استأذنوك يظهرون لك أنهم يقفون عند حدك وهم كذبة، وقد عزموا على العصيان أذنت لهم أو لم تأذن.
وقال الطبري: حتى نعلم الصادقين في أنّ لهم عذرًا، ونعلم الكاذبين في أنْ الأعذار لهم.
وقال قتادة: نزلت بعد هذه الآية آية النور، فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذنْ لمن شئت منهم.
وهذا غلط، لأنّ النور نزلت سنة أربع من الهجرة في غزوة الخندق في استئذان بعض المؤمنين الرسول في بعض شأنهم في بيوتهم في بعض الأوقات، فأباح الله أن يأذن، فتباينت الآيتان في الوقت والمعنى. اهـ.

.قال أبو السعود:

{عَفَا الله عَنكَ}
صريحٌ في أنه سبحانه وتعالى قد عفا عنه عليه الصلاة والسلام ما وقع منه عند استئذانِ المتخلفين في التخلف معتذرين بعدم الاستطاعةِ، وإذنُه كان اعتمادًا على أَيْمانهم ومواثيقِهم لخلوها عن المزاحِم من ترك الأولى والأفضلِ الذي هو التأنّي والتوقفُ إلى انجلاء الأمرِ وانكشافِ الحالِ، وقولُه عز وجل: {لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ} أي لأي سببٍ أذِنْتَ لهم في التخلف حين اعتلّوا بعللهم بيانٌ لما أشير إليه بالعفو من ترك الأولى وإشارةٌ إلى أنه ينبغي أن تكون أمورُه عليه الصلاة والسلام منوطةً بأسباب قويةٍ موجبةٍ لها أو مصححةٍ وأن ما أبرزوه في معرض التعلل والاعتذارِ مشفوعًا بالأيمان كان بمعزل من كونه سببًا للإذن قبل ظهورِ صدقِه، وكلتا اللامَين متعلقةٌ بالإذن لاختلافهما في المعنى فإن الأولى للتعليل والثانيةُ للتبليغ، والضميرُ المجرورُ لجميع المستأذِنين، وتوجهُ الإنكار إلى الإذن باعتبار شمولِه للكل لا باعتبار تعلّقِه بكل فردٍ لتحقق عدمِ استطاعةِ بعضِهم كما ينبئ عنه قوله سبحانه: {حتى يَتَبَيَّنَ لَكَ الذين صَدَقُواْ} أي فيما أَخبروا به عند الاعتذارِ من عدم الاستطاعةِ من جهة المالِ أو من جهة البدن أو من جهتهما معًا حسبما عنّ لهم هناك.
{وَتَعْلَمَ الكاذبين} في ذلك فتعامِلَ كلًا من الفريقين بما يستحقه وهو بيانٌ لذلك الأولى والأفضلِ، وتحضيضٌ له عليه الصلاة والسلام عليه، فإن كلمة حتى سواءٌ كانت بمعنى اللامِ أو بمعنى إلى لا يمكن تعلقُها بقوله تعالى: {لِمَ أَذِنتَ} لاستلزامه أن يكون إذنُه عليه الصلاة والسلام لهم معلّلًا أو مُغيًّا بالتبين والعلم ويكون توجُّهُ الاستفهامِ إليه من تلك الحيثيةِ وذلك بيِّنُ الفسادِ بل بما يدل عليه ذلك، كأنه قيل: لم سارعت إلى الإذن لهم وهلاّ تأنّيت حتى ينجليَ الأمر كما هو قضيةُ الحزْم.
قال قتادة وعمرو بنُ ميمون: اثنان فعلهما رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لم يؤمَر فيهما بشيء: إذنُه للمنافقين وأخذهُ الفداءَ من الأُسارى فعاتبه الله تعالى كما تسمعون. وتغييرُ الأسلوب بأن عبّر عن الفريق الأولِ بالموصول الذي صلتُه فعلٌ دالٌّ على الحدوث وعن الفريق الثاني باسم الفاعلِ المفيدِ للدوام للإيذان بأن ما ظهر من الأوّلين صدقٌ حادثٌ في أمر خاص غيرُ مصحِّحٍ لنظمهم في سلك الصادقين، وأن ما صدر من الآخَرين وإن كان كذبًا حادثًا متعلقًا بأمر خاص لكنه أمرٌ جارٍ على عادتهم المستمرةِ ناشئ عن رسوخهم في الكذب. والتعبيرُ عن ظهور الصدقِ بالتبين وعما يتعلق بالكذب بالعلم لما هو المشهورُ من أن مدلولَ الخبر هو الصدقُ والكذبُ احتمالٌ عقلي فظهورُ صدقِه إنما هو تبيّنُ ذلك المدلولِ وانقطاعُ احتمالِ نقيضِه بعد ما كان محتمِلًا له احتمالًا عقليًا وأما كذبُه فأمرٌ حادثٌ لا دِلالة للخبر عليه في الجملة حتى يكونَ ظهورُه تبيّنًا له بل هو نقيضٌ لمدلوله فما يتعلق به يكون عِلْمًا مستأنفًا، وإسنادُه إلى ضميره عليه الصلاة والسلام لا إلى المعلومين ببناء الفعلِ للمفعول مع إسناد التبيّنِ إلى الأولين لما أن المقصودَ هاهنا علمُه عليه الصلاة والسلام بهم ومؤاخذتُهم بموجبه بخلاف الأولين حيث لا مؤاخذةَ عليهم ومن لم يتنبَّه لهذا قال: حتى يتبين لك مَنْ صدق في عذره ممن كذَب فيه، وإسنادُ التبيُّنِ إلى الأولين وتعليقُ العلمِ بالآخَرين مع أن مدارَ الإسنادِ والتعلقِ أو لا وبالذات هو وصفُ الصدقِ والكذب كما أشير إليه لما أن المقصِدَ هو العلمُ بكلا الفريقين باعتبار اتصافِهما بوصفهما المذكورَين ومعاملتِهما بحسب استحقاقِهما لا العلمُ بوصفيهما بذاتيهما أو باعتبار قيامِهما بموصوفيهما.
هذا وفي تصدير فاتحةِ الخطابِ ببشارة العفوِ دون ما يوهم العتابَ من مراعالاة جانبِه عليه الصلاة والسلام وتعهده بحسن المفاوضةِ ولُطفِ المراجعةِ ما لا يخفى على أولي الألباب.
قال سفيانُ بن عيينة: انظرُ إلى هذا اللطفِ بدأ بالعفو قبل ذكر المعفوّ.
ولقد أخطأ وأساء الأدبَ وبئسما فعل فيما قال وكتب مَنْ زعم أن الكلام كنايةٌ عن الجناية وأن معناه أخطأتَ وبئسما فعلتَ. هبْ أنه كنايةٌ أليس إيثارُها على التصريح بالجناية للتلطيف في الخطاب والتخفيفِ في العتاب، وهب أن العفوَ مستلزِمٌ للخطأ فهل هو مستلزمٌ لكونه من القبح واستتباعِ اللائمة بحيث يصصِّح هذه المرتبةَ من المشافهة بالسوء أو يسوِّغُ إنشاءَ الاستقباحِ بكلمة بئسما المنبئةِ عن بلوغِ القبحِ إلى رتبة يتُعجَّب منها ولا يخفى أنه لم يكن في خروجهم مصلحةٌ للدين أو منفعةٌ للمسلمين بل كان فسادًا وخَبالًا حسبما نطَق به قولُه عز وجل: {لَوْ خَرَجُواْ} الخ، وقد كرِهه سبحانه كما يفصح عنه قوله تعالى: {ولكن كَرِهَ الله انبعاثهم} الآية. نعم كان الأولى تأخيرُ الإذن حتى يظهر كذبُهم آثرَ ذي أثيرٍ ويفتضحوا على رؤوس الأشهادِ ولا يتمكنوا من التمتع بالعيش على الأمن والدعةِ ولا يتسنّى لهم الابتهاجُ فيما بينهم بأنهم غرُّوه عليه الصلاة والسلام وأرضَوْه بالأكاذيب على أنه لم يهنأ لهم عيشٌ ولا قرت لهم عينٌ إذ لم يكونوا على أمن واطمئنانٍ بل كانوا على خوف من ظهور أمرِهم وقد كان. اهـ.